الصباح العربي
السبت، 27 أبريل 2024 12:23 مـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

د. حامد الحمود يكتب: إطلالة كويتية على الصحافة المصرية

د. حامد الحمود
د. حامد الحمود

عندما أخرج من العمارة التي نسكن بشقة فيها في الزمالك، متوجها إلى شارع 26 يوليو، إن كان ذلك عبر شارع شجرة الدر أو يساراً على شارع إسماعيل محمد ثم يمينا على شارع البرازيل، لا بد لي أن أمر بالقرب من «المكتبة الرومانسية» التي تقع على الزاوية بين إسماعيل محمد وشجرة الدر. و«المكتبة الرومانسية» لا تزيد مساحتها على تسعة أمتار مربعة، وهي تبيع الصحف المحلية والعربية والأجنبية. وقد قل عرضها للصحف الأجنبية بعد توفرها أونلاين. وإضافة إلى الصحف، تبيع المكتبة قصصا أجنبية أغلبها إنكليزية مستعملة وقديمة. ولا بد أن تكون هذه القصص من تراكمات تركتها الجالية الأجنبية التي طالما فضلت السكن بالزمالك على أماكن أخرى من القاهرة. كما قد يكون مصدرها العاملين بالسفارات الأجنبية التي كثير منها موجود في الزمالك، مثل الأمريكية والألمانية والهولندية والنرويجية. إضافة إلى سفارات مثل الهندية والسعودية والعراقية والعمانية والبحرينية والجزائرية وسفارة جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية، والتي تقع في مبنى جميل أشبه ما يكون قصرا، والذي سيفتقده كثيراً هذا السفير عندما يعود إلى بيونغ يونغ عاصمة كوريا الشمالية.

وتعودت عند مروري بمحاذاة «المكتبة الرومانسية» أن أنظر إلى عناوين أو مانشيتات الصحف المعروضة على رف أو علاق يسمح بالكشف عن عناوين كل الصحف المعلقة. وعادة ما أشتري الصحف بعد عودتي من المشي الصباحي الذي يستغرق ساعتين في بعض الأحيان. وخلال أيام قليلة، تعرفت على مدير المكتبة جون حنا، والذي يصر على ارجاع آخر جنيه للمشتري، ومن خلال حديثي معه، اكتشفت أن جون مثقف إسلامي إضافة إلى ثقافته المسيحية، كما أن له اطلاعاً على تاريخ الأديان والمذاهب. ومرة وخلال تواجدي في هذه المكتبة الصغيرة جدا، تعرفت على الدكتور عماد فاروق راتب أستاذ التصميم الداخلي في كلية التربية الفنية التي يبعد مدخلها عن المكتبة حوالي 30 متراً. وعلى تقاطع شجرة الدر مع إسماعيل ومقابل المكتبة الرومانسية تقع كلية التربية الموسيقية، لذا فإنه إضافة إلى الكتب والصحف تبيع المكتبة الرومانسية جزءًا من احتياجات طلاب وطالبات كليتي التربية الفنية والموسيقية.

وخلال عشرة أيام في الزمالك، اطلعت على العديد من الصحف المصرية، منها الأهرام والأخبار والمصري اليوم والوفد والشروق وروز اليوسف والمال (صحيفة اقتصادية)، والأهرام الأسبوعي باللغة الإنكليزية. لكن وجدت نفسي تدريجيا أميل إلى «المصري اليوم»، مع أنه وبشكل عام وجدت أن جميع هذه الصحف المصرية التي ذكرتها أكثر غنى من الصحف اللبنانية والكويتية: تبويبا، ومادة، وإخراجا، ولغة. كما تتميز بغنى صفحاتها الثقافية. ولاحظت أن «مساحة الرأي» المكونة من صفحتين في «المصري اليوم» يشغل أعمدتها كتاب مثقفون سياسيا وأدبيا ولهم باع طويل في الكتابة. هذا ومع محدودية الحرية السياسية في مصر، إلا أن الكتاب يخلقون لهم مساحة معقولة من الحرية. وعندما أبديت إعجابي بـ«المصري اليوم» أمام رئيس تحرير القبس الأخ وليد عبداللطيف النصف، أضاف أنه شاهد مؤخراً على قناة سعودية مقابلة مع الصحافي اللبناني سمير عطا الله، ذكر فيها أنه يقرأ «المصري اليوم» كل يوم. وبشكل عام، فإن الصحافة في مصر أعرق مما في دول عربية أخرى.

فقد أسس اللبنانيان بشارة وسليم تقلا جريدة الأهرام في الإسكندرية عام 1876، ونقلت إلى القاهرة عام 1899، وقد وصف الأديب طه حسين «الأهرام» بأنها «ديوان الحياة المعاصرة». أما «المقطم» والتي أسسها اللبنانيون يعقوب صروف وفارس نمر وشاهين مكاريوس، عام 1888 لكنها توقفت عام 1952. وقد يتساءل القارئ: لماذا يؤسس اللبنانيون صحفا في مصر وليس في لبنان؟ والجواب على ذلك أن تأسيس صحيفة يحتاج إلى قاعدة واسعة من القراء والذي لم يكن متوفرا في لبنان الذي كان فقيرا نسبيا آنذاك ومدنه صغيرة. ففي نهاية القرن التاسع عشر، كانت بيروت أصغر من طرابلس وأصغر من صيدا، بل إنه إلى الثلاثينيات من القرن الماضي لم يثبت انتماء طرابلس إن كان للبنان أو لسوريا. هذا وكانت هناك محاولات لإصدار صحف في لبنان في القرن التاسع عشر لكنها لم تدم لسنوات طويلة. أما أقدم صحيفة في لبنان ومازالت مستمرة فهي «الشرق L’orient» وأسست عام 1923 وكانت بالفرنسية، وفي الثلاثينيات من القرن الماضي تأسست في لبنان ثلاث صحف باللغة العربية هي: «النهار» من قبل جبران ثويني، و«صوت الشعب» من قبل الحزب الشيوعي، و«العمل» لحزب الكتائب. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن أول صحيفة كويتية «الرأي العام» تأسست عام 1961. لكن «مجلة الكويت» التي أسسها عبدالعزيز الرشيد صدرت عام 1928 وتوقفت عن الصدور عام 1930. ويبدو أنه لا مدن عربية في بداية القرن العشرين تضاهي مدينتي الإسكندرية والقاهرة. والصحافة لا تزدهر إلا في مدن مزدهرة.

وقد صادف تواجدي في القاهرة مع إعلان مصر والإمارات عن صفقة استثمارية مشتركة، أطلقت عليها «المصري اليوم» بصفقة الانفراجة. فكان مانشيت «المصري اليوم» بتاريخ 24–‏2–‏2024: اتفاق مصري إماراتي يتضمن 150 مليار دولار استثمارات في «رأس الحكمة»، وكان لهذا الإعلان الأثر النفسي الكبير على الوضع الاقتصادي في مصر، فانخفض صرف الدولار مقابل الجنيه بحوالي 15 جنيه. وانخفضت أسعار الحديد بما يعادل 6000 جنيه للطن الواحد. وفي اليوم التالي في 25–‏2 نشر سليمان جودة افتتاحية في «المصري اليوم» بعنوان «النفسي في الصفقة» ذكر فيها: «أطلقت «المصري اليوم» على مشروع رأس الحكمة «صفقة الانفراجة» فكان الاسم الذي اختارته الصحيفة موفقاً تماماً... وأظن أن الاسم في مكانه من حيث الإيحاء الاقتصادي.. ولأن الصفقة بحسابات الورق والقلم ولأنها غير مسبوقة، فسوف تتعدد الأسماء التي ستطالعها عنها».

ولإظهار مساحة الحرية في الصحافة المصرية، وإن كانت محدودة أشير إلى مقال نشره أشرف عزب في جريدة الوفد التي يصدرها حزب الوفد. فبدا أشرف عزب أقل حماساً حول هذه الصفقة فذكر في مقال بعنوان: رأس الحكمة «في التفاصيل» بتاريخ 26–‏2–‏2024:

«الحديث عن صفقة كبرى والخوض في نتائجها بشقيها السلبي والايجابي وعملية التوازن بينهما يتطلب قدراً كافياً من المعلومات والاطلاع على بنود التعاقد كاملة لدراستها مع تحييد الانفعالات العاطفية والحيثيات المسبقة أثناء الدراسة. ما سبق بتطبيق على مشروع رأس الحكمة الذي تم الإعلان عنه مؤخراً»، وأضاف: «إن التفاصيل المعلنة أقرب إلى الخطوط العريضة وأهمها 35 ملياراً تدخل خزينة مصر، والتأكيد على أن المشروع هو الأكبر في تاريخ مصر، والتأكيد على أنه شراكة وليس بيع أصول، %35 حصة مصر من الأرباح طوال فترة المشروع».

ولفت نظري أن صحيفة روز اليوسف اليومية، وضعت على الصفحة الأولى خبراً علمياً موضحاً بصورة ملونة تحت عنوان: عصر جديد من الطب – تحويل خلايا المناعة لـ«حصان طروادة» لتدمير الخلايا السرطانية، فكتبت إبتهال مخلوف: «يعد سرطان الرئة من بين أكثر أنواع السرطان فتكا، حيث يؤدي إلى وفاة 1.8 مليون شخص سنوياً في العالم. وعلى الرغم من تعدد طرق العلاج مثل الجراحة والعلاج الإشعاعي والكيميائي، فإن نسبة من يعيش لمدة تتجاوز خمس سنوات لا تتجاوز %25. وقد اكتشف العلماء في جامعة تكساس الأمريكية نهجاً جديداً لتوصيل العلاج الكيميائي المدمر للدم مباشرة إلى الخلايا السرطانية دون آثار جانبية.

هذا وقد أعجبني كثيراً محتوى «الأهرام الأسبوعي» الصادر باللغة الإنكليزية. فقد كتب العراقي صلاح البصراوي بتاريخ 22–‏2–‏2024 مقالاً بعنوان: هل الثورة الإيرانية قابلة للديمومة؟ ذكر فيها أنه منذ أسبوع، احتفلت إيران بمرور 45 سنة على الثورة، وقد ألقى رئيس الجمهورية خطاباً لم يشاركه الشعب حماسه، بل إن الشعب الإيراني اهتم بهزيمة فريق القدم الإيراني أمام قطر أكثر من اهتمامه بذكرى الثورة. ويراجع البصراوي في مقاله هذا كتاباً للإيراني أراش عزيزي الذي يدرس في جامعة نيويورك بعنوان: ماذا يريد الإيرانيون، النساء، الحياة، الحرية»؟

وفي نفس العدد من «الأهرام الإنكليزي» تراجع لبنى عبدالعزيز فيلم «Zone of Interest» المرشح لجوائز عديدة والذي يدور حول الحياة العادية السعيدة لضابط نازي يكون بيته الذي يسكنه مع عائلته قرب معسكر أوشفيتز الذي كان يرمي فيه اليهود بغرف الغاز. وتتعجب لبنى من العدد الكبير لهذا النوع من الأفلام، مع أن إبادات كثيرة حصلت في العالم نستها السينما. كما أنه خلال الحرب وبعدها تم تهجير 11 مليون ألماني من أوروبا الشرقية وصل منهم مليونان نستهم السينما كذلك. ولا بد أن أشير إلى مقال صلاح سالم في «الأهرام العربي» بتاريخ 27–‏2–‏2024 بعنوان «إيريك فروم والجوهر الإنساني» ويبدو أننا نتشارك في إعجابنا بالمفكر ايريك فروم (1900–1980) والذي قرأت معظم مؤلفاته ونشرت عنه في ملحق «القبس الثقافي». ويقول صلاح سالم: «على عكس هربرت ماركوزه ونزعته الثورية إلى تغيير النظام الاجتماعي القائم، أكد فروم أولوية الحلول الإنسانية التي تحرر الطاقة الفردية وتحقق له التوازن».

وفي النهاية، كم كنت أتمنى أن تتحول «المكتبة الرومانسية» التي لا تزيد مساحتها على تسعة أمتار مربعة إلى مكتبة مساحتها مئة متر مربع تسمح لطلاب كلية الفنون وكلية الموسيقى التجول فيها، وربما لشرب القهوة والاطلاع على الكتب وأن يتداول فيها الطلاب أطراف الحديث حول الدراسة وأمور أخرى.

نقلا عن جريدة القبس الكويتية

حامد الحمود يكتب إطلالة كويتية على الصحافة المصرية

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq