الصباح العربي
السبت، 4 مايو 2024 11:31 مـ
الصباح العربي

فن وثقافة

مي سكاف.. رحيل صادم لأيقونة الثورة السورية بعيدًا عن أحضان الوطن

الراحلة مي سكاف
الراحلة مي سكاف

"الغربة فاجعة يتم إدراكها على مراحل، ولا يستكمل الوعي بها إلا بانغلاق ذلك التّابوت على أسئلتك الّتي بقيت مفتوحةً عمرًا بأكمله، ولن تكون هنا يومها لتعرف كم كنت غريباً قبل ذلك؟ ولا كم ستصبح منفيًّا بعد الآن؟"، رحلت الفنانة السورية "مي سكاف" رمز القوة، النضال، رحلت أيقونة الثورة، الجريئة صاحبة الابتسامة الحزينة، و العيون الجريحة، رحلت في ظروف غامضة، باغتت المحبين لفنها على مستوى الوطن العربي بنبأ فراقها لدنيانا، رحلت بعيدة عن أحضان الوطن، بعد مسيرة نالت عليها كل الاحترام والتقدير.

تلقى الوطن العربي، أمس الإثنين، نبأ رحيل الممثلة السورية "مي سكاف" عن عمر 49 عامًا، بشكل صادم إثر تعرضها لنوبة قلبية.

مي سكاف صاحبة الأدوار الصعبة

مي سكاف من مواليد العاصمة السورية "دمشق" عام 1969، و عُرفت بأنها صاحبة الأدوار الصعبة، منذ ظهورها الأول ببداية التسعينيات من القرن الماضي.

حازت على إجازة في الأدب الفرنسي من جامعة دمشق، وعملت محررة، مترجمة، و مذيعة في إذاعة دمشق «القسم الفرنسي 1989»، كما ترجمت العديد من المقالات والتقارير المسرحية والسينمائية في مجلتي"الحياة السينمائية" و"المسرحية"، اللتين تصدران عن وزارة الثقافة في سوريا، وشاركت طلبة الجامعة في تقديم أعمال مسرحية في المركز الثقافي الفرنسي، وهي عضو في فرقة المسرح للهواة /‏‏‏ المركز الثقافي الفرنسي في الأعوام 1987 /‏‏‏ 1990، وممثلة ومساعدة مخرج للعديد من العروض.

تألقت في فيلم المخرج السينمائي ماهر كدو، الذي حمل عنوان «صهيل الجهات»، عام 1991، ليختارها المخرج السينمائي عبد اللطيف عبد الحميد، لفيلم «صعود المطر»، والمخرج نبيل المالح الذي اختارها في ما بعد لمسلسله السينمائي «أسرار الشاشة»، وفي مسلسل «العبابيد» (1996)، و «الحور العين» عام 2005.

كان لها دورًا فعالًا في العديد من المساهمات والفعاليات الثقافية ذات الصلة بصناعة السينما والتلفزيون، وكل تلك الأفكار تجلت في مشروعها الفني والتعليمي «تياترو»، الذي تأسس في 2004، وهو عبارة عن معهد يضم مجموعة كبيرة من الشباب، وحتى الأطفال، الذين يعشقون الفن والتمثيل بأنواعه «مسرح - دراما - سينما»، لخلق مناخ فني ثقافي بإمكانات ذاتية، غايته إيجاد فرص عمل تلبي طموح الشباب، حيث ساهمت في إنجاز عروض مسرحية مهمة من إنتاج «تياترو»، وأيضاً تأهيل شباب يساعدون في عملية «صناعة السينما السورية».

انقطعت مي سكاف عن العمل الفني بسبب مغادرتها سوريا، لكنّها عادت في العام الماضي لتظهر في فيلم قصير للمخرج الشاب ملهم أبو الخير، تم تصويره في العاصمة الفرنسية باريس بعنوان «سراب»، عام 2017، أدّت فيه دور سيدة مهاجرة من سوريا إلى فرنسا بعد الثورة، وفي خضمّ الانتخابات الفرنسية الأخيرة يراودها حلم بأن تصبح أول امرأة تحكم بلداً عربياً.

مي سكاف أيقونة الثورة

كانت مي سكاف ناشطة في المعارضة السورية،  برز اسمها خلال الثورة السورية عندما أعلنت رفضها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وكانت أجهزة الأمن السورية قد نظّمت ضبطًا أمنيًا بحقها وأحالته إلى نيابة محكمة الإرهاب التي أحالته بدورها إلى قاضي التحقيق لمحاكمتها بتهمة الاتصال بإحدى القنوات الفضائية ونشر أنباء كاذبة؛ وأصدر القاضي قراره باتهام مي سكاف ومحاكمتها بالتّهم الأمنية المنسوبة لها.

وبسبب نشاطها السياسي، استولت اللجان الشعبية في سوريا على شقتها في جرمانا بريف دمشق.

وقد اعتقلت في صيف 2011، مع عدد من المثقفين والفنانين السوريين الذين كانوا يستعدون للسير في مظاهرة سلمية في دمشق؛ وحال إطلاق سراحها، بعد أيام، غادرت سوريا متسللة مع ابنها وتوجهت إلى المملكة الأردنية، ومنها تمكنت من اللجوء إلى فرنسا.

كما انتقدت المبالغة في نشر صور الرئيس في كل الأماكن وعلى زجاج السيارات، معتبرة ذلك وسيلة لترهيب المواطنين وليس للتعبير عن الولاء. وكتبت سكاف في أحد مقالاتها المبكرة: "عن أي استقرار يتحدثون وهناك دماء سورية تنزف واعتقالات لشباب يحاولون أن ينقلوا وجهة نظرهم ويمارسوا حقاً من حقوق الإنسان الحر".

وكان آخر تعليق لها قبل أن ترحل، كتبت مي سكاف على صفحتها في «فيسبوك» يوم السبت: «لن أفقد الأمل... لن أفقد الأمل... إنها سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد».

 

رحيل صامت

تفاجيء الوطن العربي أمس الإثنين بنبأ رحيل "مي سكاف"، لتصمت أيقونة الثورة و صاحبة الأدوار الصعبة في هدوء تام، و غامض في الوقت ذاته.

ومنذ اللحظة التي أعلن فيها عن وفاة مي سكاف، حاول الكثير من أصدقاء الراحلة التواصل مع ابنها البالغ من العمر عشرين عامًا، والذي كان يقيم معها في فرنسا، إلا أن جميع محاولاتهم بات بالفشل، بعدما أقفل هاتفه الخاص.

وذكرت أنباء في الساعات الأخيرة، أن ابن الفنانة الراحلة موجود الآن، في بيت الفنان السوري المعارض مكسيم خليل، في فرنسا، دون أن يظهر ابن الراحلة على وسائل الإعلام أو يدلي بأي تصريح بخصوص ملابسات وفاة والدته.

ولا تزال الشرطة الفرنسية، تحقق في ملابسات وفاة الفنانة الراحلة، وقامت بختم بيتها بالشمع الأحمر، كتصرّف احترازي للاحتفاظ بالأدلة الجنائية الممكنة، وعدم العبث بأي ما يمكن أن يؤثر على مجريات التحقيق.

و من المقرر أن يصدر التقرير الجنائي خلال أيام، كما أكد فارس الحلو، والذي سيكشف الأسباب الحقيقية لوفاة الراحلة، خاصة وأنها كانت تتمتع بصحة جيدة، قبل وفاتها بفترة قصيرة.

صدمة نجوم الفن

و نعى عدد من المثقفين السوريين، أمس، مي سكاف، حيث نشرت قريبتها الناشطة والروائية ديمة ونوس على facebook: «إلى الأصدقاء، أعتذر عن عدم الرّد على اتصالاتكم ورسائلكم. أنا وعائلتي في وضع نفسي صعب جداً. نعم، رحلت مي وخسرناها مع خساراتنا الموجعة. لنا ولكم الصّبر ولن أسامح من كان السبب. مي رحلت في ظروف غامضة، وبانتظار نتائج التحقيق».

كتبت أصالة على حسابها على موقع Instagram: "رحمها الله وصبّر قلب الذين يحبّونها وأهلها.. الحرّة ماتت، لكن الحرية لا تموت، مهما نزفت. مي سكاف حرّة".

و قالت كنده علوش على Twitter: "إنا لله وإنا إليه راجعون، رحيل الفنانة والصديقة مي سكاف، ذات القلب الحر. مؤلم ومباغت العزاء، والصبر لأهلها ومحبيها".

أما يارا صبري فحرصت على رثائها قائلة: "وداعاً، مي الحبيبة".

كما نشر الفنان الكبير جمال سليمان : ”وداعًا مي لم أعرف في حياتي من هو أصدق وأنبل منك، طيبتك اللامتناهية كانت تستفز كل من يحبك ويخاف عليك، سألتني مائة مرة ونحن نصور أوركيديا، متى سنعود إلى سوريا؟، وفي كل مرة كنت أكذب عليك وأقول قريبًا، كنت أفعل لأني موقن أنه الجواب الذي تحبين أن تسمعيه، حتى لو شكيت في صدقيته”.

وبين المؤيد و المعارض، فإن الموقف السياسي لـ "مي سكاف" لم يعد هامًا، بينما لازال يثير الجدل، سوى أن العالم العربي فقد قامة فنية كبيرة، اجتهدت منذ بداياتها، و وصلت إلى عمق الأداء التمثيلي المميز، رحلت و لم تتمكن من العودة إلى أرض الوطن، و غابت دون وداع، تاركة إرث شخصي عريق، و فني نفيس للتعرف عليها، و البقاء على ذكراها؛ فوداعًا "مي سكاف".

 

مي سكاف الثورة السورية الوطن سوريا باريس

فن وثقافة

click here click here click here altreeq altreeq