أجساد هزيلة نهشها المرض، يتجولون في الشوارع ليل نهار يرفعون ويلتقطون بأيدهم قمامة أقرانهم من البشر، يتعرضون لأخبث الأمراض وأسوأ معاملة، "عامل نظافة" هذا الاسم الذي يحمل بداخله صرخات الفقر والحاجة وأنين المرض، ففي الدول المتحضرة يعامل بكل تقدير واحترام ككونه جنديا خفيا يظهر تحضر مدينته، ولكنه في مجتمعنا يواجه سوء التعامل والاحتقار. 

يروى عم " محمد أحمد حسان " 55 عاما مقيم بنجع البركة بمركز القرنة، قصته بأنه أب لخمس أبناء جميعهم فى مراحل التعليم ومرتبي لا يكفينى قائلا: "عملي هو همي" لأننى لم أعد قادرًا على استكمال الطريق الذى بدأته منذ 20 عامًا، فالأمراض حاصرتني بجميع أنواعها "السكر والضغط وفيروس سي والكلى"، والتأمين الصحي معاناة أخرى ولا نجد فيه العلاج كل مافيه علاجً بديل، وما باليد حيلة، ولو تركت العمل لن أجد طعاما لأولادي مشيرا إلى أن أغلب أقرانه مصابون بأمراض كثيرة أغلب أمراض الكبد والصدر.

ورغم كل ذلك الإبتسامة لا تفارق وجه عم " سيد أحمد طه " عامل نظافة في العقد الخامس من العمر مقيم بقرية النمسا مركز اسنا ويقول: " أنا أحب عملي كثيرًا ، والعمل ليس عيبا أو وصمة عار، فالعمل عبادة وافتخر به، فأنا أعمل من الساعة السابعة صباحًا وحتى الثانية ظهرًا، لدى ثلاثة أبناء (حنان و رانيا و محمود ) الكبرى في كلية دراسات إسلامية والوسطى بالصف الثالث الثانوي وابنى الصغير خمس سنوات.

وأوضح عم " سيد " أن سبب عمله بهذه المهنة لأنه لا يجيد الكتابة أو القراءة فلم يجد أمامه غيرها ومع مرور الأيام أحبها، فهو يقوم بكنس والتقاط القمامة كل يوم هو وأقرانه ولكن هناك مواطنين لا يعرفون مدى تعبنا فهم يقوم برمي القمامة في الشوارع بالرغم من وجود الحاويات، مشيرا إلى أنه يجب تغيير ثقافة المواطنين وأن يتعلمون أن النظافة من الإيمان، وأن الدين نهانا عن ذلك.

  
وأضاف " عم سيد " بأنه قبل الثورة كان راتبه فقط 256.5 جنيه لأنه من العمالة المؤقتة ولكن جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي تم التثبيت على الصناديق الخاصة براتب 1050 جنيها، ولكن الظروف المعيشية صعبة ولدي أبنه بالجامعة ومخطوبة فأقوم بأى عمل آخر بجوار عملي الأساسي مثل تعبئة وتفريخ الشاحنات أو تقطيع الطوب اللبن.

ويؤكد الدكتور "بكر محمد سعد " أستاذ أمراض الجهاز الهضمى، أن طبيعة مهنة عمال النظافة تعرض حياتهم يوميا لخطر الإصابة بالأمراض المعدية والمزمنة فهو بمثابة " الموت الصامت " لهم، وذلك لعدم ارتدائهم الأدوات الوقائية واللازمة لجمع النفايات، فقط يصاب العامل بالجروح نتيجة احتواء القمامة على قطع زجاجية أو معدنية أو أى أدوات حادة، فهم بذلك عرضة للإصابة بفيروس الكبد الوبائي وتليف الكبد ودوالي المريء وقد يصل الأمر إلى الوفاة وهناك أيضا مخاطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والذي قد يتضاعف إلى الإصابة بمياه في الرئة، إضافة إلى الأمراض الجلدية كالالتهابات والتقرحات.

ومن جانبه قرر محمد بدر محافظة الأقصر منذ توليه المسئولية محافظا للإقليم، بتغيير مواعيد العمل الرسمية لجميع العاملين الميدانيين في مجال النظافة خلال فترة الصيف

تخفيفا علي العمال، وذلك بما يضمن تنفيذ جميع الخدمات وبالمستوى المطلوب، وشمل القرار إلغاء عملهم من الساعة 12 ظهرا حتى الرابعة عصرا حرصا علي سلامتهم، ومنعا لعملهم تحت أشعة الشمس خلال فترة الصيف.