الصباح العربي
الجمعة، 3 مايو 2024 11:01 صـ
الصباح العربي

محمود خليل يكتب: الشعب «الكسير» والنخبة «المكسورة» (2)

الصباح العربي

لعبت نخبة المشايخ (من علماء الأزهر) والأعيان (من ملاك الأرض) دوراً فى وصول الوالى محمد على إلى الحكم عام 1805، وهناك خلافات بين المؤرخين على حجم هذا الدور، لكن ذلك لا يمنع بحال من أن دور المشايخ كان قائماً فى إحداث هذا التحول فى تاريخ مصر. وقد سعى محمد على بعد تربعه على الحكم إلى التخلص من أفراد هذه النخبة من خلال اتباع سياسة «العصا والجزرة»؛ فمن قبل منهم أن يصبح بوقاً للسلطة الجديدة كان يمنحه مئات الفدادين الزراعية ويبذل له المال، ومن اعترض كان مصيره النفى والتشريد كما حدث مع الزعيم عمر مكرم. ونستطيع أن نستخلص من تجربة محمد على فى التعامل مع النخبة ثلاثة قوانين أساسية شكلت أساساً لتعامل الحكام المصريين مع أفراد هذه الفئة منذ عام 1805 وحتى الآن.

القانون الأول أن أى نظام حكم جديد لمصر «المحروسة» يبدأ رحلته بذبح النخبة المنتمية إلى النظام السابق له؛ إذ يرى فيها خطراً داهماً على مستقبل حكمه، انطلاقاً من قاعدة بسيطة للغاية هى «أن من أطاح بمن قبلى وجاء بى إلى الحكم من السهل عليه جداً أن يطيح بى وقتما يريد»، كذلك فعل محمد على مع المشايخ والأعيان، وهو ما فعله أيضاً جمال عبدالناصر -بطريقة أو بأخرى- مع النخبة الليبرالية التى تعاصرت مع الحكم الملكى، وما حاول أن يفعله محمد مرسى حين تولى حكم مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، عندما سعى إلى القضاء على النخبة المدنية التى لعبت دوراً (مؤيداً أو معارضاً) لنظام حكم «مبارك». ولا أريد أن أتوقف كثيراً أمام فشل «مرسى» فيما نجح فيه غيره، لكن يكفى أن أحدد لك الآن السبب الرئيسى الذى أدى إلى ذلك، المتمثل فى تحالف النخبة المدنية مع المؤسسات الفاعلة فى الدولة مثل القضاء والجيش والداخلية والإعلام من أجل إسقاط المشروع الوهمى لمحمد مرسى، الذى جعل منه «خيال ظل» أكثر من كونه حاكماً حقيقياً!

القانون الثانى لتعامل نظم الحكم الجديدة مع النخبة يرتبط بانقسام أبناء هذه الفئة إلى قسمين: قسم يقبل التعامل مع السلطة والعمل فى خدمتها فيتحول أفراده إلى «خدم للنظام» أو دعاة له (إذا كانوا يؤمنون بتوجهاته)، وفى كل الأحوال يقبض هؤلاء ثمنا سخياً مقابل ذلك، وقسم آخر يأبى التعاون فيكون مصيره التهميش والمطاردة والملاحقة، الأمر الذى يحاصر أى محاولات يجتهد فيها من أجل تغيير الواقع. أما القانون الثالث فيرتبط بسعى النظام الجديد إلى تربية نخبته الخاصة التى تتحول بمرور الوقت إلى واحدة من أدوات حكمه، بسبب ارتباط مصالحها ومنافعها ومكاسبها به برباط وثيق. وما أكثر ما تسعى هذه النخبة إلى محاولة إحياء النظام الجديد لو تعرض للسقوط أو الانهيار، وقد تفشل فى ذلك كما حدث مع النخبة الليبرالية بعد ثورة يوليو 1952، وقد تنجح فى تحقيق هدفها كما استطاعت نخبة «مبارك» بعد ثورة 25 يناير، حين استثمرت غضب الشعب على حكم «مرسى» وإخوانه وركبت المشهد حتى حين!

 

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq