الصباح العربي
السبت، 4 مايو 2024 09:31 صـ
الصباح العربي

وثيقة إسرائيلية: جاسوس يهودي عالج قادة الإخوان في الخمسينيات

الصباح العربي

نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أمس، وثيقة جديدة أعدها جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلى «أمان»، وتُنشَر للمرة الأولى، على خلفية مرور 60 عاماً على قضية الكشف عن خلية تجسس إسرائيلية فى مصر، عرفت باسم «فضيحة لافون»، وهى شبكة يهودية استهدفت المصالح الأمريكية فى مصر عام 1954 لتخريب العلاقات المصرية الأمريكية، فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بما يجعلها واحدة من أول وأقدم شبكات التجسس والتخريب الإسرائيلية فى مصر.

وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن الوثيقة الجديدة تكشف عن التجاهل الإسرائيلى الحكومى التام للسجناء الإسرائيليين الذين سقطوا فى أيدى السلطات المصرية فى القضية، إضافة إلى الكشف عن العلاقة الوثيقة التى بناها أحد السجناء فى القضية مع عناصر جماعة الإخوان المحتجزين خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، من خلال شهادته بعد أن عاد إلى إسرائيل.

«سخرية التاريخ».. هكذا وصفت «معاريف» الوثيقة الجديدة التى كشفت عنها للمرة الأولى وشهادة روبرت داسا، أحد المتهمين الثلاثة الذين لا يزالون على قيد الحياة بعد ترحيلهم إلى إسرائيل. وأضافت: السخرية أنه فى الوقت الذى تتفاوض فيه مصر وتسعى لاحتواء التصعيد على قطاع غزة، يكتمل مرور 60 عاماً بالكامل على وقوع التفجير الذى كشف عن أكبر شبكة تجسس وتخريب إسرائيلية فى مصر، والتى سميت باسم «فضيحة لافون»، إذ إنه فى 23 يوليو من عام 1954، انفجرت عبوة ناسفة بالخطأ فى جيب فيليب ناثانزون، أحد أعضاء الشبكة اليهودية فى مصر، التى جندتها الوحدة 131 فى جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلى.

بعد انفجار العبوة بالخطأ فى جيب «ناثانزون»، استطاعت السلطات المصرية وقتها القبض عليه واعتقال عدد كبير من أعضاء الخلية الإسرائيلية فى القاهرة والإسكندرية فى خلال أيام معدودة، إذ اعتقل تقريباً كل أعضاء الخلية باستثناء قائدها آفرى إلعاد.

وكان الهدف الأساسى من عمليات تلك الخلية هو استهداف المواقع التى تتعلق بالمصالح الأمريكية فى مصر، بهدف الإضرار بعلاقات الولايات المتحدة مع مصر. وقالت «معاريف»: «السخرية أيضاً أنه بعد 60 عاماً من محاولات إسرائيل الإضرار بالعلاقات المصرية الأمريكية، وجدت إسرائيل نفسها مرتبطة رغماً عنها بالعلاقات بين الجانبين ومدى التوتر فى تلك العلاقة، إذ إنهما المسيطر الرئيسى والمهيمن الأساسى على أى مفاوضات تتعلق بقطاع غزة».

الصحيفة الإسرائيلية تقول إن الوثيقة التى أفرج عنها «أمان» أخيراً لا تسلط الضوء على الطريقة التى عومل بها السجناء الإسرائيليون فى تلك الخلية داخل السجون المصرية وتعامل السلطات الإسرائيلية وقتها معهم، إنما تكشف أيضاً للمرة الأولى عن تحالف وصداقة غريبة من نوعها ومفاجئة للجميع فى الوقت نفسه، فهذه الصداقة كانت مع عناصر جماعة الإخوان المحتجزين فى السجون التى اعتقل فيها عناصر الخلية الإسرائيلية.

وقالت «معاريف» إنه فى 31 يناير عام 1955 حكم بالإعدام على اثنين من أعضاء الخلية الإسرائيلية، فيما تقررت عقوبة الحبس مع الأشغال الشاقة على 6 من أعضائها، من بينهم روبرت داسا الذى وثق شهادته لدى جهاز «أمان» الإسرائيلى. وأضافت: «قبع هؤلاء فى السجون المصرية لمدة 14 عاماً دون أى اهتمام بهم، وعلى الرغم من سقوط آلاف الأسرى من الجنود المصريين فى أيدى إسرائيل والإفراج عنهم، فإن مصير هؤلاء ظل مهملاً ولم تتم مناقشته بعد حربى 1956 و1967».

السجينة الإسرائيلية الوحيدة فى تلك القضية، التى تدعى مارسيل بنينو، وتبلغ من العمر حالياً 85 عاماً، تحدثت إلى «معاريف» بمناسبة الكشف عن الوثيقة الجديدة، وأكدت أنها لا تزال حتى اليوم تعانى من الكوابيس بسبب ما عانته فى السجون المصرية خلال فترة احتجازها على خلفية «فضيحة لافون»، فى حين أن «داسا» فضل الكشف عن علاقته الوطيدة التى أسسها مع عناصر جماعة الإخوان فى السجون آنذاك.

وأضافت «معاريف»: «داسا قرر أن يكشف عن الصداقة التى كونها مع جماعة الإخوان فى السجون المصرية، وكانت بمثابة مفاجأة بالنسبة للجميع». وقال «داسا»: «حتى دخلت السجن، لم يسبق لى أن صادفت أياً من عناصر جماعة الإخوان، صحيح أنهم كانوا نشطين، ولكن لم يكن لديهم أى تحركات حقيقية ضد اليهود.. وكانت المرة الأولى التى ألتقى فيها الإخوان بشكل شخصى فى فترة حبسى انتظاراً للحكم فى (فضيحة لافون) فى السجن الحربى، حيث اعتقل مئات من عناصر الإخوان فى تلك الفترة على خلفية محاولة اغتيال الرئيس المصرى جمال عبدالناصر»، مضيفاً: «كانوا يتعرضون للتعذيب كما تعرضنا نحن بالضبط، ولحسن حظى أننى كنت مريضاً وعانيت من ارتفاع حاد فى درجة الحرارة، وهو ما دفع المسئولين وقتها إلى الرأفة بى ونقلى إلى العمل فى تحضير الطعام ونقله إلى الزنازين، وكنت أساعد أيضاً فى حمل السجناء الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية، ووقتها كنت أحمل العديد من عناصر الجماعة، ومن بينهم عدد من قادتهم».

«لم يكن يفاجئنى أنهم لا يحبوننا كيهود حينها، ولكن وقتها سألونى عن اسمى، وعرفوا بعدها أننى يهودى، وسرعان ما ارتبط اسمى بأننى الذى يساعدهم فى العلاج من جروحهم التى يصابون بها إذا تعرضوا لأى نوع من التعذيب، وقد ساهمت فى علاج عدد من قادة الإخوان ومن بينهم سيد قطب، والهضيبى، وآخرون.. وتدريجياً، بدأت فى تكوين الصداقات بشكل ضئيل، وسرعان ما جاؤوا إلىّ وسألونى: هل أنت روبرت؟ واتضح لى أنهم عرفوا عنى كل شىء وأن قيادة الجماعة أعطتهم الضوء الأخضر للتعامل بشكل طبيعى مع السجناء اليهود كأنهم جزء منهم، وتقاسمنا معهم السجائر والغذاء فى السجن، خصوصاً فى الوقت الذى تعمد فيه المسئولون فى السجون وقتها مضايقة الإخوان من خلال تشغيل أغانى أم كلثوم فى مكبرات الصوت، خصوصاً الأغانى التى تتحدث عن نجاة عبدالناصر من محاولة الاغتيال».

«داسا» أشار أيضاً إلى أنه فى إطار علاقة «الأخوة» التى ربطت اليهود بالإخوان فى السجون، دارت محادثات عدة بين اليهود وقادة الإخوان، كما شارك الطرفان فى الأنشطة الرياضية والثقافية المشتركة التى كانت تجرى داخل السجون وقتها، وكان اليهود وقتها ينضمون إلى صفوف الإخوان. وتابع: «كان من بين أكثر من تحدثت إليهم، القيادى الإخوانى سيد قطب، ومن خلال حديثى معه، أدركت أنه يرى فى الصراع اليهودى على أرض فلسطين نموذجاً يمكن محاكاته فى مصر».

السجين الإسرائيلى يؤكد أنه لا يزال حتى يومنا هذا مستاءً من التعامل الإسرائيلى مع قضيته ومن التجاهل التام لهذا الأمر، خاصة بعد الثمن الباهظ الذى دفعته أسر هؤلاء المتهمين. وأضاف: «لم أكن أتوقع هذا.. قيل لنا وقتها إن لدينا أصدقاء فى إسرائيل سيساعدوننا كثيراً، ولكن هؤلاء الأصدقاء لم ينظروا إلى قضيتنا حتى».

وأشار «داسا» إلى أنه عمل مراسلاً صحفياً بعد أن عاد إلى إسرائيل، وبعد توقيع اتفاقية السلام، طلب أن يعود إلى مصر للقاء بقية أفراد أسرته من خلال عمله كصحفى، إلا أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلى (الموساد) رفض تلك الفكرة تماماً ومنعه من السفر إلى مصر، مضيفاً: «ولكن حين سافر رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن وقتها إلى الإسكندرية فى إطار مباحثات السلام، سمح لى رئيس الوزراء بالسفر معه، وسمح الرئيس المصرى أنور السادات لأسرتى بالسفر إلى إسرائيل لزيارتى، وكانت هذه لفتة طيبة من جانبه».

«داسا» قال، لـ«معاريف»، إن اغتيال الرئيس السادات كان بمثابة «اغتيال فى سبيل السلام»، مؤكداً أنه منذ ذلك الوقت، وهو ينظر إلى من كانوا يوماً أصدقاءه فى السجون على أن «التاريخ أثبت ويثبت أنهم مرتبطون دوماً إما بالاغتيال أو محاولات الاغتيال، هكذا كانوا منذ عام 1928 عند تأسيس الجماعة، وكان طبيعياً أن يجدوا أنفسهم فى أغلب الأوقات خارجين على القانون».

الوثيقة التى جاءت بتاريخ 20 يناير عام 1957، كُتبت بعد عامين على القضية، وتضمنت حكايات «داسا» عن يومياته فى سجن طرة الذى وصفه بـ«الصعب والشاق»، وأرسلت إلى جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلى فى محاولة لفهم أوضاعهم، إلا أن الغريب فى صياغة تلك الوثيقة، هو أن الضابط الإسرائيلى عزرائيل هرئيل الضابط بالوحدة 131 بجهاز «أمان»، وضع بعض المصطلحات الغريبة خلال صياغته الخطاب الذى أرفقه بتلك الوثيقة، حيث استخدم مصطلح «أسرى صهيون فى مصر»، وقال إن الحكم على أعضاء الخلية صدر فى عام 1954 على الرغم من أنه صدر فعلياً فى يناير عام 1955، ورجحت «معاريف» أن يكون السبب فى استخدامه تلك الإشارات هو انتماؤه لأحد الأجهزة السرية الإسرائيلية فى هذا الوقت.

click here click here click here altreeq altreeq