الصباح العربي
الثلاثاء، 30 أبريل 2024 10:15 صـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

” غشومية ” حضرة المخرج !

الصباح العربي

حسين شمردل 

  ادرك الدوافع التي دعت الي اتخاذ قرار صائب  بحرق الارض تحت اقدام الهارب محمد البرادعي  حتي تُـغلق الابواب امام مساعيه المحمومة لصب الزيت علي النار ، واثارة بعض القطاعات التي تكتوي من سوء اداء الحكومة ، وتتحمل تخطبها تقديرا للرئيس .

رؤية  الاخوان ان الوضع في مصر الان يشكل فرصة مناسبة - ربما تكون الفرصة الاخيرة لإستعادة بعض نفوذهم المفقود ، ولإنهم يدركون ان معظم المصريين يرفضون عودتهم مجددا الي الساحة ، فقد لجأوا الي الورقة البائسة  ، وتوهموا ان البرادعي لا يزال يملك التأثير في عدد من المصريين ، وان بوسعه  تكرار ما حدث قبيل ثورة يناير ، عندما ادي تواجده علي الساحة الي هز اركان نظام مبارك المهتريء والايل للسقوط .

   لا اشك لحظة  ان مقابلات واتصالات تمت بين قيادت الجماعة والبرادعي بوساطة من ايمن نور وعزمي بشارة  لعل وعسي ان  تجد اطلالته  اذانا  صاغية لدي بعض المعارضين والساخطين ،  او ان يلتف حوله نشطاء السبوبة  ، ومن هنا جاء القرار باغتياله معنويا وفضح ارائه في الشخصيات السياسية التي يسعي الي استهدافها وضمها الي تكتل سياسي علي غرار جبهة الانقاذ التي قادها  البرادعي مع عمرو موسي وحمدين صباحي واسامة الغزالي وكانت احد اسباب اسقاط مرسي ونظامه .

 

********

 الهدف من حرق البرادعي سياسيا قد يكون مقبولا  بل ومطلوبا لمصلحة الوطن .. فليس هناك اي  خلاف بين القوي الوطنية علي رفض استدعاء الماضي البغيض سواء البعيد منه   ممثلا في رجال مبارك ، او القريب ممثلا في عصر الاخوان وحلفائهم  ، وتمتد حالة الرفض لتشمل  كذلك كل من قفز من سفينة الوطن في اللحظات الحرجة وانضم الي الجانب الاخر الذي اراد الشر للمصريين وتمسك باطروحات نظرية  ربما تصلح لفنلندا والسويد ، ولكنها تبتعد تماما عن واقع مصر وظروفها .

  غير ان اتفاقنا علي الهدف لا يعني القبول باساليب الهواة وعديمي الكفاءة في تنفيذه  ، او الموافقة علي منهج الاندفاع الاهوج  الذي تغيب عنه الحسابات السياسية الشاملة والتأثيرات السلبية علي مجمل الاوضاع ، مرة اخري نجد انفسنا امام مشكلة الاخراج والتي عانينا منها في مواقف كثيرة سابقة لعل اهمها ازمة ريجيني وازمة الصحفيين ..هذه المرة تسبب انعدام المهارة وفقر الخيال  لدي "حضرة  المخرج " في السماح للبعض بالصيد في الماء العكر ، وطرح تساؤلات محرجة تتعلق بالدولة المصرية وكفاءة اجهزتها المسئولة ، خاصة تلك المسئولة عن ادارة الملفات السياسية الحساسة  .

   توقف البعض كثيرا - ولهم كل الحق -  امام معني بث تسجيل للبرادعي يكون احد اطرافه اهم مسئول عن القوات المسلحة عقب ثورة يناير وهو الفريق سامي عنان ، فهل تستمر التسجيلات لرئيس الاركان الحالي .. ام ان الامر كان محكوما بظروف معينة لم تعد قائمة ، وهل تمت بعلمه ام من وراء ظهره ؟

   والاخطر من كل ذلك هل شملت التسجيلات كافة مكالمات المسئول ام اقتصرت  علي مكالمات مستهدفة ؟ .. واذا كان المستهدف شخص البرادعي وليس رئيس الاركان ( ! ) .. فهل كان من الحكمة بث مكالمة تم تسجيلها بالصدفة -  تجمعه بعنان ؟  خاصة انها لم تتضمن كوارث ذات معني مثل مكالماته الفاضحة  مع عميل المخابرات الامريكية .. وهي الاخطر  باعتبار انها  تشكل جريمة تخابر مكتملة الاركان تستلزم  وقوفه فورا  امام القضاء  ؟  

***********

اختيار القناة التي جاء من خلالها التسريب ايضا يكشف بوضوح عن سوء التقدير وسوء الاخراج .. في الموجة الاولي من التسريبات يبدو ان " حضرة المخرج " كان اكثر حصافة حيث امكن ان يقال ان " المسرب " حصل عليها من خلال احد المسئولين  الذين تركوا الخدمة دون ان تلتصق بالاجهزة ، وتم تمرير هذا التفسير وابتلعه المراقبون  الوطنيون  عن طيب خاطر حتي لو تسبب لهم في عسر هضم ، فقد كان الهدف اكبر من التوقف كثيرا عند هذه التفاصيل الصغيرة  .

هذه المرة لا يمكن ابتلاع اي تفسير مشابه .. ولا مجال للجدل حول مصدر التسريبات ،  لأن المسرب الاعلامي معروف من اوله الي  اخره  .. ومن ساسه لراسه !!

والغريب انه في اطار الاندفاع الطائش لم يحاول المسرب الاعلامي  ان يترك اي مساحة يمكن المناورة من خلالها ، او يسمح باطلاق تفسير يبعد الشبهة عن اجهزة مسئولة تحظي بالتقدير والاحترام ، ويُـفترض انها لا يمكن ان تقع في مثل هذا الخطأ الفردي الساذج الذي تغيب عنه الكياسة والمواءمة السياسية وحسن تقدير العواقب .

********

   لا استطيع ان ابعد عن ذاكرتي موقف مشابه وقع فيه احد صناع القرار الهواة الذين سلم لهم نظام مبارك ذقنه ، وبسبب طيشه وانعدام حسه السياسي دفع النظام بأسره الثمن ، ولم تفلح الاطاحة به في علاج اثار " غشوميته "  المفرطة .

  اتحدث عن احمد عز الذي اختاره نظام المخلوع بديلا " للمعلم " كمال الشاذلي فكان بمثابة  الدبة التي قتلت صاحبها .

  لو كان " المعلم " او اي معلم في دائرة المسئولية ، لأشار علي " حضرة المخرج " ان يبحث عن وسيلة اخري لحرق البرادعي دون ان تمتد الشظايا والنيران  لتصيب هنا وهناك بشكل عشوائي .. وربما رشح لهم مسرب مجهول لا تربطه علاقة بالاجهزة ..او ربما كان يشير عليهم  باستعارة نموذج " سنودن " صاحب تسريبات ويكليكس الشهيرة او " مردخاي فانونو " بطل ازمة المفاعل النووي الاسرائيلي المصطنعة للقيام بالمهمة علي اكمل وجه .. وبلا نقطة دم واحدة تلوث الثوب ، وتسيء لمن لا يستحق الاساءة اليه ، حتي لو كانت الاساءة من دون قصد ..وفي كل الاحوال اثق انه  كان سيوصي بتجنب " سقطة تسريب عنان " .

  اعلم ان جهودا بُذلت لأحتواء التداعيات ، وازالة اية التباسات او سوء فهم .. وادرك  ان السقطة لن تتكرر وان " حضرة المخرج " لا بد ان يُحاسب ، ولكني اشعر بمزيد الاسف ازاء  اخطاء  الاعوان المتكررة ، وكما قال قيصر " اللهم احمني من اصدقائي ، اما اعواني فانا كفيل بهم .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

غشومية حضرة المخرج

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq