الصباح العربي
الثلاثاء، 30 أبريل 2024 04:44 صـ
الصباح العربي

مقالات ورأى

منير عامر يكتب: محاولة إنقاذ المستقبل من أخطاء التاريخ

الصباح العربي

الأمر المؤكد أن «التاريخ» بالنسبة للمخضرمين مثلى يرون أحداث الحاضرعلى ضوء ما مضى من تجارب، ووقفات ذاكرتى تحكى عن دهشتى فى سنوات الطفولة فسألت والدى عن معنى اجتماع الملوك والرؤساء العرب لتأسيس الجامعة العربية ، فقال «ستجد إجابة على سؤالك عندما نقوم هذا العام بحج البيت الحرام . وتمر الشهور لأجد نفسى مع والدى فى ليلة غسل الكعبة المشرفة بواسطة مؤسس العربية السعودية المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود، ولا تنسى الذاكرة ما تحدث به الملك عبد العزيز يومها عن العروبة والإسلام . 

ثم ترتفع فى وجوهنا آلام الهزيمة العربية أمام دولة إسرائيل عام 1948 ليخرج منها ضابط هو جمال عبد الناصر حالما لا بحرية مصر وفلسطين ، لكنه كان الحالم بآمال المستضعفين فى آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية . لكن الخيانة تأتيه من سيادة فكرة الولاء المتجاهل للكفاءة. 

ثم نخوض رحلات الاقتراب والابتعاد ومحاولة قوى الاستعمار لزعزعة أى تقارب عربى ، أو تقارب إسلامى لنجد التقاتل بالاختلاف قد ملأ العالم العربى والعالم المسلم . ولتأتى هزيمة 1967 فتحدث إفاقة كبرى فنجد المال العربى يجتمع من المال القادم من الجزائر لتعويض مصر عن خسائرها فى حرب يونيو 1967، ولنجد يد فيصل بن عبد العزيز آل سعود فى يد جمال عبد الناصر وبإحاطة من هوارى بومدين رئيس الجزائر التى ساهمت مصر فى تحريرها، ونجد العرب وقد أيقنوا أن الهزيمة هى هزيمة لفكرة العروبة والإسلام معا . وتتم محاولة تجميع إيجابيات العالم العربى والمسلم وليتولى قيادة الجيش المصرى أهل الكفاءة لا أهل الثقة ، وما أن يبدأ القتال المنتصر فى أكتوبر 1973 حتى نرى البترول العربى وهو لعب دوره فى المعركة، وليخرج من فم زايد بن سلطان آل نهيان شعار «البترول العربى ليس أغلى من الدم العربى»، ولكن كيسينجر كان بالمرصاد لهذا التجمع العربى وتتوالى الأحداث لنصل إلى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، ولم يفطن الكثيرون منا إلى أن المواجهة العسكرية مع إسرائيل تعنى مواجهة مع أسلحة أقوى قوة نيران على ظهر الأرض وهى قدرة الولايات المتحدة التى تتوحد من إسرائيل، وسحبتنا شعارات نزدحم بالضجيج الذى لا يستند إلى اقتصاد فاعل أو للحاق بالتقدم العلمى ؛ ونجد الأطماع الصغيرة والأهواء التى تهزم نفسها عند أى محاولة للبحث لها عن أقدام تسير عليها لواقع عربى مختلف، فيتبدد منا العراق فى حرب أراد بها صدام حسين أن يوسع بها مساحة حكمه ، فكان احتلال الكويت هى السكين الذى أدمى العرب من محيطهم إلى خليجهم، وليستمر مسلسل احتلال أمريكا للعراق ثم توغل الإمبراطورية الفارسية التى تلتحف برداء الحسين رضوان الله عليه لتضيف إلى أوجاعنا صراعا مذهبيا لم نكن فى حاجة إليه ، لأنه هزيمة مزدوجة ، هزيمة للعروبة والإسلام معا . 

وسطعت فكرة سحابة تجميع الثروة فى أيدى طبقة جديدة بالمحروسة لتصل أرقام التنمية إلى قرابة سبعة بالمائة، ولكن أثرها لا يلمس متوسطى الحال، فضلا عن أنه لا يصل إلى أهل القاع . 

وتكاد الدموع أن تخلتط بكثير من الدهشة ، لأنه قد سبق لنا الوصول إلى رقم مقارب قبل هزيمة يونيو 1967 ؛ لكن الدهشة تزول فور تذكر كيف كان الطموح فيما قبل الخامس من يونيو 1967 يكتفى بدور التابع الببغاء الذى يردد الشعارات ويخونها عمليا فكانت الهزيمة فى يونيو 1967؛ ونفس الدور لعبه الطموح كتابع لا قدرة له على اقتحام المستقبل فى السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك إلى أن انفجرت فى وجوهنا قنابل اليأس الشاب فى الخامس والعشرين من يناير فصارت ثورة مهدرة بفضل التآمر المتأسلم. 

ويتوالى التاريخ ليكشف لنا عن الذى كان كامنا فى أحلامنا ونحلم برؤيته واقعا؛ وهو ما تجسد فى حركة قرابة الخمسة وعشرين مليون إنسان لإسقاط حكم التخلف المتأسلم ، بينما كان الوطن العربى يواصل تآكل حوافه بدءا من العراق وانكشاف أكاذيب ما سمى الربيع العربى ؛ الذى صارت تفاصيله الدامية تسيل فى ليبيا؛ ثم تأنى اليقظة فى الثلاثين من يونيو وليكون إعادة البناء هو الطريق الوحيد المفتوح؛ وتنكشف أمامنا عناكب تخلفنا المسلحة من قطر ، والحالمة بإعادة التخلف باسم الإمبراطوية الأردوغانية . ثم توالت الأفاعى الفارسية لتطل عبر اليمن على الجزيرة العربية، ولنفيق جميعا على رعب تزييف الدين كما سبق أن انسحق الحلم العربى بغباء كل من صدام حسين ورعونة معمر القذافى . 

وكل ما مضى من كلمات يحكى مرارة فى قلب مواطن حلم بعالم عربى مختلف 

وهذه المرارة يمكن أن نجد مثيلا لها أو أكثر منها فى قلب اليمنى الذى تفتك الكوليرا بأطفاله، وتشتعل نيرانا من أجساد من صاروا طعاما لأسماك البحر المتوسط من أبناء سوريا والعراق وحتى أفغانستان . 

وكنت أظن مكتبة الإسكندرية فى عام حكم إسماعيل سراج الدين الأخير قادرة على التوصل إلى مؤتمرات جادة تكشف عن الكامن القادر على المقاومة وإيقاظ المكنون المقاتل بالثقافة لسيل الهدر الساقط على العروبة والإسلام . لكن مجمل ثقافة الرجل لم تتح له أو لنا كيفية مقاومة الترهل المشتعل فينا . وعلى أية حال له فى قلبى عطر الشكر على مؤتمر المثقفين العرب بعد أن أهدرت الصواريخ الأمريكية دم العراق. 

ولأنى أدعى لنفسى معرفة عميقة بالتاريخ العملى والثقافى لمصطفى الفقى منذ أن كان طالبا بكلية الاقتصاد ثم خوضه لبحر الدبلوماسية فصار قادرا على التقاط خيوط الثقة وركائز التفاؤل، ثم دراسته لحالنا الاجتماعى والثقافى فى النصف الأول من القرن العشرين، ثم رحليه إلى الهند ليشرب من نهر التآزر الذى ارتوى منه نهرو، وتأسس ببعض من فيضانه ما يخدم فكرة عدم الانحياز؛ ثم عمله من بعد ذلك مساعدا لأسامة الباز بما يملكه من رصانة التواضع ، ثم خروجه إلى قلب أوروبا الثقافى فى فيينا بعد ان تكشفت سمات الواقع المصرى اليومى عبر عمله كسكرتير المعلومات لمبارك. 

من أجل ما مضى من تاريخ شخصى لهذا المثقف أطلب منه بما يقترب من التكليف أن يجعل المكتبة بيتا لاستخلاص ما مضى من خيرات التاريخ لنبلور خريطة مستقبل تقل فيه خلافاتنا، ونكون جديرين بتسليح أنفسنا بإيجابيات ما مضى لنزيدها ونرصف طريقنا إلى مستقبل نعتز فيه بخبرات الماضى ونصنع من إيجابياتنا أسلحة نمضى بها إلى مستقبلنا . 

ترى هل لأحلامى مكان وموقع فى خريطة المنارة المطلة على المستقبل التى تسمى مكتبة الإسكندرية ؟ 

هذا حلم شخصى وأظنه حلما عاما، لأن المستقبل يحتاج إلى إنقاذ من خطايا ما مضى من تاريخ . 

نقلا عن صحيفة الأهرام
 

منير عامر يكتب محاولة إنقاذ المستقبل أخطاء التاريخ

مقالات ورأى

آخر الأخبار

click here click here click here altreeq altreeq